أين "البحوث الزراعية" من تحديات القطاع؟

التاريخ: 16/12/2024

أين "البحوث الزراعية" من تحديات القطاع؟

  عبدالله الربيحات- الغد 

عمان- فيما يعكف مركز البحوث الزراعية على إجراء دراساته وفحوصاته، يتساءل خبراء ومراقبون حول ماهية البحوث التي يجريها المركز، وأهميتها في تطوير الإنتاج الزراعي من جهة، وما أبرز التحديات التي يواجهها، لا سيما التغير المناخي وأثره على القطاع الزراعي.

ورغم عدم استجابة المركز للرد على استفسارات "الغد"، إلا أن خبراء مطلعين على الشأن الزراعي، أشاروا إلى أن البحوث العلمية الزراعية تعد أساس العمل الفني الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، مبينين أن قطاع الزراعة يقف أمام تحد كبير في ظل ما يواجهه العالم من تغيرات مناخية، ما يحتم تطويع التكنولوجيا الحديثة في خدمة مخرجات البحوث العلمية، وبما يخدم القطاع الزراعي برمته.
وفي السياق، قال سفير الأمم المتحدة للأغذية سابقا، والخبير الدولي في الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي بأننا نعلم جميعا ما يعانيه القطاع الزراعي من تحديات كبيرة أهمها التحديات المناخية. 
وبين الزعبي أن التغيرات المناخية باتت تكرر كثيرا في السنوات الأخيرة وتزداد حدتها، وبشكل أسرع مما كان عليه الأمر سابقا، ومنها حالات الجفاف التي كنا نشهدها كل عشر سنوات مرة واحدة، أصبحت تتكرر بفترات زمنية أقصر، كل أربع سنوات أو سنتين، فضلا عن شحة الأمطار لمواسم مستمرة، وتغير أوقات الهطول. 
وتابع: "كل ذلك ينتج بالطبع عدة عوامل تؤثر سلبا على الإنتاج الزراعي، عدا تأثيره المتمثل بزيادة التصحر وتدهور الأراضي وانخفاض جودة التربة، وأيضا عدم قدرة هذه الأراضي على الإنتاج المجزي، وبالتالي خروجها من الخدمة، وهي أمور تستدعي تدخل البحث العلمي بغية إدخال التكنولوجيا الزراعية الذكية والذكاء الاصطناعي، بما يضمن استدامة الإنتاج الزراعي". 
وأضاف: "إذا استعرضنا أهم المحاور التي يمكن أن نركز عليها في الأردن تحديدا لزيادة الإنتاج، فإن التحدي الأهم هو كيفية التغلب على شح المياه ومحدودية الأراضي الزراعية، بحيث نزيد من إنتاجية الوحدة الزراعية وكذلك وحدة المياه، وبهذا نستطيع أن نتكيف مع التغير المناخي، وعلينا الاعتناء بتعزيز كفاءة استخدام الموارد التي تشمل الماء والطاقة المتجددة والأسمدة نظرا لارتفاع تكلفتها. 
ولفت إلى أهمية إدخال بحوث زراعية لتطوير نظم الزراعة الذكية، كالاستشعار عن بعد، والذكاء والبحث العلمي لتعزيز أساليب مقاومة الجفاف والحرارة والملوحة، وعدم الاقتصار على تطوير أساليب زراعية، بل إن يشمل التطوير أيضا أصنافا وبذورا ومحاصيل تستطيع أن تقاوم التغيرات المناخية على نحو أكبر.
وقال الزعبي إن من أهم النقاط المحورية الأخرى في هذا المجال هو ما نسميه "الذكاء الاستخباراتي" أو المعلوماتي المناخي، الذي يستطيع أن يتنبأ بالمتغيرات المناخية على الجوانب الزراعية والغذائية والحيوانية، بهدف الاستعداد لها وتقديم الخسائر الاقتصادية، ومحاولة إيجاد الحلول المحلية لمواجهتها، مثل التطبيقات الزراعية الحديثة، وتكنولوجيا النانو، والزراعة العامودية، والزراعة المائية، وهذه كلها تساهم في استنباط أساليب زراعية جديدة مقاومة للمناخ.
وأضاف: "من المفترض أن نركز في حالتنا الأردنية على البحث العلمي، وعلى محور كفاءة وإنتاجية المياه والأراضي، والبحث العلمي في أساليب الزراعة، وكذلك كيفية إعادة الاستخدام الآمن للمياه الهامشية في الزراعة".  
وأكد أهمية البحث في تحديد محاصيل وأصناف ذات إنتاجية عالية بحيث تكون البصمة المائية الخاصة بها ملائمة جدا لوضعنا، وأن تتحمل الجفاف والملوحة، إضافة إلى العمل على بحوث علمية لمكافحة تدهور التربة والتلوث، ويمكن أن يساعدنا في هذا الموضوع استخدام المياه الهامشية. 
وأكد ضرورة العمل على البحث العلمي في مصادر غير مستغلة كالزراعة البعلية لتعظيم إنتاج المحاصيل، وسبل التكيف مع طرق حصاد مياه الأمطار، واستخدام الري التكميلي في بعض المناطق البعلية.
وشدد على أهمية إدخال البحث العلمي في توطين التكنولوجيا، وانعكاس ذلك على مشاريع مفيدة مثل تربية الأسماك ضمن ما يسمى "النظام المغلق" الذي يجعل من استهلاكها للمياه أقل، والإنتاج أعلى. 
وقال: "يجب أن نستمر أيضا بتطوير التصنيع الغذائي، وسلاسل التوريد، والمحافظة على الجودة والسلامة الغذائية". 
وأضاف إن بإمكان البحث العلمي أن يساهم، وبشكل كبير، في تقليل الفاقد الغذائي عن طريق إجراء بحوث متخصصة لمكافحة هذا الموضوع، وكذلك إدارة النفايات. 
وتابع: "أيضا يدخل البحث العلمي في محور الصحة الحيوانية والبيطرة، وفي دراسات تعزيز البيئة، والتوسع بالزراعة الحضرية بما تشتمل عليه من إدخال تكنولوجيات حديثة".
من جهته، أكد الباحث والخبير في الشؤون الزراعية والتنموية د. حسان العسوفي، أن البحوث العلمية الزراعية أساس العمل الفني الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي.
وأضاف العسوفي إنها وعلى غرار سواها من القطاعات، تقف البحوث الزراعية وخصوصاً التطبيقية منها أمام تحد كبير في ظل ما يواجهه العالم من تغير مناخي، أما وطنياً فالحديث يطول لكن علينا تطويع التكنولوجيا الحديثة لخدمة مخرجات البحوث العلمية، وبما يخدم القطاع الزراعي برمته.
وقال: "لا بد، أيضا، من استنباط أصناف وبذور نباتية قادرة على التكيف مع التغير المناخي من حيث الاستهلاك المائي وتحمل الملوحة والآفات، والتركيز على الزراعات الموفرة للمياه كالزراعة المائية والحيومائية مثلاً.
كما لا بد، بحسب العسوفي، من التغيير في أساليب الري وطرق إدارة الآفات الزراعية، مبينا أن هناك جهداً مميزا يبذل في المركز الوطني للبحوث الزراعية والجامعات والمعاهد ذات العلاقة، لكن ذلك يحتاج دعماً وتمويلا مالياً قادرين على تحقيق الأهداف المرجوة.
بدوره، قال مدير عام اتحاد المزارعين المهندس محمود العوران: "إذا أردنا أن يكون لدينا بحث علمي متطور ومواكب للتغيرات المناخية، فيجب أن تكون هناك بداية مراجعة شاملة لكافة القوانين والأنظمة الخاصة بالقطاع الزراعي، وتوفير موارد مالية وبشكل متواصل، ليس لعام واحد فقط بل لأن إنتاج أصناف وسلالات تواجة شح المياه وارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها يتطلب إنتاج أكثر من جيل وراثي، بمعنى أن يستمر البحث لسنوات لا تقل عن أربعة مواسم وربما أكثر.
وأضاف العوران إن هذا يتطلب توفير موارد مالية كافية لموازنة مركز البحوث الزراعية، لاسيما وأن القطاع الزراعي يتوفر على مصادر عديدة للدخل، سواء من الخزينة أو من إيرادات السوق المركزي التابع لأمانة عمان، التي تزيد على 15 مليون دينار سنويا، وكذلك أسواق الجملة والمحافظات التابعة لوزارة البلديات، إضافة إلى إيرادات تصاريح العمل ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية من خلال ضريبة المبيعات والجمارك، إضافة إلى فلس الريف، ولذا لا بد من تخصيص جزء كاف لغايات البحث العلمي للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.
من جهتها حاولت "الغد" على مدار يومين الاتصال بمدير المركز الوطني للبحوث الزراعية لمعرفة أهم البحوث الزراعية التي يجريها المركز، والوقوف على واقعه، لكن من دون رد.